سورة المائدة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)}
ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم {قَالُواْ يأَبَانَا موسى إن فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} وفي تفسير الجبارين وجهان:
الأول: الجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه، وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد، وهذا هو اختيار الفرّاء والزجاج.
قال الفرّاء: لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في حرفين وهما: جبار من أجبر، ودراك من أدرك، والثاني: أنه مأخوذ من قولهم نخلة جبارة إذا كانت طويلة مرتفعة لا تصل الأيدي إليها، ويقال: رجل جبار إذا كان طويلاً عظيماً قوياً، تشبيهاً بالجبار من النخل والقوم كانوا في غاية القوة وعظم الأجسام بحيث كانت أيدي قوم موسى ما كانت تصل إليهم، فسموهم جبارين لهذا المعنى.
ثم قال القوم {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا داخلون} وإنما قالوا هذا على سبيل الاستبعاد كقوله تعالى: {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمّ الخياط} [الأعراف: 40].


{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا الرجلان هما يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، وكانا من الذين يخافون الله وأنعم الله عليهما بالهداية والثقة بعون الله تعالى والاعتماد على نصرة الله.
قال القفال: ويجوز أن يكون التقدير: قال رجلان من الذين يخافهم بنو إسرائيل وهم الجبارون، وهما رجلان منهم أنعم الله عليهما بالإيمان فآمنا، وقالا هذا القول لقوم موسى تشجيعاً لهم على قتالهم، وقراءة من قرأ {يَخَافُونَ} بالضم شاهدة لهذا الوجه.
المسألة الثانية: في قوله: {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} وجهان:
الأول: أنه صفة لقوله: {رَجُلاَنِ}، والثاني: أنه اعتراض وقع في البين يؤكد ما هو المقصود من الكلام.
المسألة الثالثة: قوله: {ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب} مبالغة في الوعد بالنصر والظفر، كأنه قال: متى دخلتم باب بلدهم انهزموا ولا يبقى منهم نافخ نار ولا ساكن دار، فلا تخافوهم. والله أعلم.
المسألة الرابعة: إنما جزم هذان الرجلان في قولهما {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالبون} لأنهما كانا جازمين بنبوّة موسى عليه السلام، فلما أخبرهم موسى عليه السلام بأن الله قال: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 21] لا جرم قطعاً بأن النصرة لهم والغلبة حاصلة في جانبهم، ولذلك ختموا كلامهم بقولهم: {وَعَلَى الله فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} يعني لما وعدكم الله تعالى النصر فلا ينبغي أن تصيروا خائفين من شدة قوتهم وعظم أجسامهم، بل توكلوا على الله في حصول هذا النصر لكم إن كنتم مؤمنين مقرين بوجود الإله القادر ومؤمنين بصحة نبوّة موسى عليه السلام.


{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)}
وفي قوله: {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ} وجوه:
الأول: لعلّ القوم كانوا مجسمة، وكانوا يجوزون الذهاب والمجيء على الله تعالى.
الثاني: يحتمل أن لا يكون المراد حقيقة الذهاب بل هو كما يقال: كلمته فذهب يجيبني، يعني يريد أن يجيبني، فكأنهم قالوا: كن أنت وربك مريدين لقتالهم، والثالث: التقدير: اذهب أنت وربك معين لك بزعمك فأضمر خبر الابتداء.
فإن قيل: إذا أضمرنا الخبر فكيف يجعل قوله: {فَقَاتِلا} خبراً أيضاً؟
قلنا: لا يمتنع خبر بعد خبر، والرابع: المراد بقوله: {وَرَبُّكَ} أخوه هارون، وسموه رباً لأنه كان أكبر من موسى.
قال المفسرون: قولهم: {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ} إن قالوه على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر، وإن قالوه على وجه التمرد عن الطاعة فهو فسق، ولقد فسقوا بهذا الكلام بدليل قوله تعالى في هذه القصة {فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين} [المائدة: 26] والمقصود من هذه القصة شرح خلاف هؤلاء اليهود وشدة بغضهم وغلوهم في المنازعة مع أنبياء الله تعالى منذ كانوا.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11